فصل: النهي عن بيع العربون

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب النهي عن الاستثناء في البيع الا أن يكون معلوما

1 - عن جابر ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى عن المحاقلة والمزابنة والثنيا الا ان تعلم‏)‏‏.‏

رواه النسائي والترمذي وصححه‏.‏

الحديث أخرجه مسلم بلفظ ‏(‏نهى عن الثنيا‏)‏ وأخرجه أيضا بزيادة ‏(إلا أن تعلم‏)‏ النسائي وابن حبان في صحيحه وغلط ابن الجوزي فزعم ان هذا الحديث متفق عليه وليس الأمر كذلك فإن البخاري لم يذكر في كتابه الثنيا وهو يدل على تحريم الحاقلة والمزابنة وسيأتي الكلام عليهما شيئا والثنيا بضم المثلثة وسكون النون المراد بها الاستثناء في البيع نحو أن يبيع الرجل شيئا ويستثنى بعضه فإن كان الذي استثناه معلوما نحو أن يستثني واحدة من الأشجار أو منزلا من المنازل أو موضعا معلوما من الأرض صح بالاتفاق وإن كان مجهولا نحو أن يستثني شيئا غير معلوم لم يصح البيع وقد قيل أنه يجوز أن يستثني مجهول العين إذا ضرب لاختياره مدة معلومة لانه بذلك صار كالمعلوم وبه قالت الهادوية وقال الشافعي لا يصح لما في الجهالة حال البيع من الغرر وهو الظاهر لدخول هذه الصورة تحت عموم الحديث واخراجها يحتاج إلى دليل ومجرد كون مدة الاختيار معلومة وإن صار به على بصيرة في التعيين بعد ذلك لكنه لم يصر به على بصيرة حال العقد وهو المعتبر والحكمة في النهي عن استثناء المجهول ما يتضمنه من الغرر مع الجهالة‏.‏

 باب بيعتين في بيعة

1 - عن أبي هريرة قال ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم من باع بيعين في بيعة فله أو كسهما أو الربا‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏ وفي لفظ ‏(‏نهى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن بيعتين في بيعة‏)‏ رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه‏.‏

2 - وعن سماك عن عبد الرحمن بن عبد اللّه بن مسعود عن أبيه قال ‏(‏نهى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن صفقتين في صفقة قال سماك هو الرجل يبيع البيع فيقول هو بنسا بكذا وهو ينقد بكذا وكذا‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

حديث أبي هريرة باللفظ الأول في إسناده محمد بن عمرو بن علقمة وقد تكلم فيه غير واحد قال المنذري والمشهور عنه من رواية الدراوردي ومحمد بن عبد اللّه الأنصاري أنه صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏نهى عن بيعتين في بيعة‏)‏ انتهى وهو باللفظ الثاني عند من ذكره المصنف وأخرجه أيضا الشافعي ومالك في بلاغاته وحديث ابن مسعود أورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه‏.‏ وقال في مجمع الزوائد رجال أحمد ثقات وأخرجه أيضا البزار والطبراني في الكبير والأوسط وفي الباب عن ابن عمر عند الدارقطني وابن عبد البر قوله ‏(‏من باع بيعتين‏)‏ فسره سماك بما رواه الصنف عن أحمد عنه وقد وافقه على مثل ذلك الشافعي فقال بان يقول بعتك بألف نقدا أو ألفين إلى سنة فخذ أيهما شئت أنت وشئت أنا ونقل أن الرفعة عن القاضي إن المسألة مفروضة على أنه قبل على الأبهام اما لو قال قبلت بألف نقدا أو بألفين بالنسيئة صح ذلك‏.‏ وقد فسر ذلك الشافعي بتفسير آخر فقال هو أن يقول بعتك ذا العبد بألف على أن تبيعني دارك كذا أي إذا وجب لك عندي وجب لي عندك وهذا يصلح تفسير الرواية الأخرى من حديث أبي هريرة لا للأولى فإن قوله فله أوكسهما يدل على أنه باع الشيء الواجد بيعتين بيعة بأقل وبيعة بأكثر‏.‏ وقيل في تفسير ذلك هو أن يسلفه دينارا في قفيز حنطة إلى شهر فلما حل الأجل وطالبه بالحنطة قال بعني القفيز الذي لك على إلى شهرين بقفيزين فصار ذلك بيعتين في بيعة لأن البيع الثاني قد دخل على الأول فيرد إليه أوكسهما وهو الأول كذا في شرح السنن لابن رسلان‏.‏

قوله ‏(‏فله أوكسهما‏)‏ أي انقصهما قال الخطابي لا أعلم أحدا قال بظاهر الحديث وصحح البيع باوكس الثمنين إلا ما حكى عن الأوزاعي وهو مذهب فاسد انتهى‏.‏ ولا يخفى إن ماقاله هو ظاهر الحديث لأن الحكم له بالاوكس يستلزم صحة البيع به قوله‏:‏ ‏(‏أو الربا‏)‏ يعني أو يكون قد دخل هو وصاحبه في الربا المحرم إذا لم يأخذ الأوكس بل أخذ الأكثر وذلك ظاهر في التفسير الذي ذكره ابن رسلان وأما في التفسير الذي ذكره أحمد عن سماك وذكره الشافعي ففيه متمسك لمن قال يحرم بيع الشيء بأكثر من سعر يومه لاجل النساء وقد ذهب إلى ذلك زين العابدين بن علي بن الحسين والناصر والمنصور باللّه والهادوية والامام يحيى‏.‏ وقالت الشافعية والحنفية وزيد بن علي والمؤيد باللّه والجمهور إنه يجوز لعموم الأدلة القاضية بجوازه وهو الظاهر لان ذلك المتمسك هو الرواية الأولى من حديث أبي هريرة وقد عرفت ما في راويها من المقال ومع ذلك فالمشهور عنه اللفظ الذي رواه غيره وهو النهي عن بيعتين في بيعة ولا حجة فيه على المطلوب ولو سلمنا أن تلك الرواية التي تفرد بها ذلك الراوي صالحة للاحتجاج لكان احتمالها لتفسير خارج عن محل النزاع كما سلف عن ابن رسلان قادحا في الاستدلال بها على المتنازع فيه على أن غاية ما فيها الدلالة على المنع من البيع إذا وقع على هذه الصورة وهي أن يقول نقدا بكذا ونسيئة كذا الا إذا قال من أول الأمر نسيئة بكذا فقط وكان أكثر من سعر يومه مع أن المتمسكين بهذه الرواية يمنعون من هذه الصورة ولا يدل الحديث على ذلك فالدليل أخص من الدعوى وقد جمعنا رسالة في هذه المسألة وسميناها شفاء الغلل في حكم زيادة الثمن لمجرد الأجل وحققناها تحقيقا لم نسبق إليه والعلة في تحريم بعتين في بيعة عدم استقرار الثمن في صورة بيع الشيء الواحد بثمنين والتعليق بالشرط المستقبل في صورة بيع هذا على أن يبيع منه ذاك ولزوم الربا في صورة القفيز الحنطة قوله‏:‏ ‏(‏أو صفقتين في صفقة‏)‏ أي بيعتين في بيعة‏.‏

 النهي عن بيع العربون

1 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال ‏(‏نهى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن بيع العربان‏)‏‏.‏

رواه أحمد والنسائي وأبو دواد وهو لمالك في الموطأ‏.‏

الحديث منقطع لانه من رواية مالك أنه بلغه عن عمرو بن شعيب ولم يدركه فبينهما راو لم يسم وسماه ابن ماجه فقال عن مالك عن عبد اللّه بن عامر الأسلمي وعبد اللّه لا يحتج بحديثه وفي إسناده ابن ماجه هذا أيضا حبيب كاتب الإمام مالك وهو ضعيف لا يحتج به‏.‏ وقد قيل أن الرجل الذي لم يسم هو ابن هليعة ذكر ذلك ابن عدي وهو أيضا ضعيف‏.‏ ورواه الدارقطني‏.‏ والخطيب عن مالك عن عمرو ابن الحرث عن عمرو بن شعيب وفي إسنادهما الهيثم ابن اليمان وقد ضعفه الأزدي وقال أبو حاتم صدوق ورواه موصولا من غير طريق مالك وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه عن زيد بن أسلم أنه سئل رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن العربان في البيع فاصله‏)‏ وهو مرسل وفي إسناده إبراهيم بن أبي يحيى وهو ضعيف قوله‏:‏ ‏(‏العربان‏)‏ بضم العين المهملة وإسكان الراء ثم موحدة مخففة ويقال فيه عربون بضم العين والياء ويقال بالهمزة مكان العين‏.‏ قال أبو داود قال مالك وذلك فيما نرى واللّه أعلم أن يشتري الرجل العبد أو يتكار الدابة ثم يقول أعطيك دينارا على أني أن تركت السلعة و الكراء فما أعطيتك لك انتهى‏.‏ وبمثل ذلك فسره عبد الرزاق عن زيد بن أسلم والمراد أنه إذا لم يختر السلعة أو اكترى الدابة كان الدينار أو نحوه للمالك بغير شيء وإن اختارهما أعطاه بقية القيمة أو الكراء وحديث الباب يدل على تحريم البيع مع العربان وبه قال الجمهور وخالف في ذلك أحمد فأجازه وروى نحوه عن عمر وابنه‏.‏ ويدل على ذلك حديث زيد بن أسلم المتقدم وفيه المقال المذكور والأولى ما ذهب إليه الجمهور لأن حديث عمر بن شعيب قد ورد من طرق يقوي بعضها بعضا ولأنه يتضمن الحظر وهو أرجح من الإباحة كما تقرر في الأصول‏.‏ والعلة في النهي عنه اشتماله على شرطين فاسدين‏.‏ أحدهما شرط كون ما دفعه إليه يكون مجانا إن اختار ترك السلعة‏.‏ والثاني شرط الرد على البائع إذا لم يقع منه الرضا بالبيع‏.‏

 باب تحريم بيع العصير ممن يتخذه خمرا وكل بيع أعان على معصية

1 - عن أنس ‏(‏لعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في الخمر عشرة عاصرها ومعتصرها وشاربها وحامله والمحمول إليها وساقيها وبائعها وآكل ثمنها والمشتري لها والمشتراة له‏)‏‏.‏

رواه الترمذي وابن ماجة‏.‏

2 - وعن ابن عمر قال‏:‏ ‏(‏لعنت الخمرة على عشرة وجوه لعنت الخمرة بعينها وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحموله إليه وآكل ثمنها‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجة وأبو داود بنحوه ولكنه لم يذكر وآكل ثمنها ولم يقل عشرة‏.‏

الحديث الأول قال الحافظ في التلخيص ورواته ثقات والحديث الثاني في إسناده عبد الرحمن بن عبد اللّه الغافقي أمير الأندلس قال يحيى لا أعرفه وقال قوم هو معروف وصححه ابن السكن ـ وفي الباب ـ عن أبي هريرة عند أبي داود وعن ابن عباس عند ابن حبان وعن ابن مسعود عند الحاكم وعن بريدة عند الطبراني في الأوسط من طريق محمد بن أحمد بن أبي خيثمة بلفظ ‏(‏من حبس العنب أيام القطف حتى يبيعه من يهودي أو نصراني أو ممن يتخذه خمرا فقد نقحم النار على بصيرة‏)‏ حسنه الحافظ في بلوغ المرام‏.‏ وأخرجه البيهقي بزيادة ‏(‏أو ممن يعلم أن يتخذه خمرا‏)‏ وقد استدل المصنف رحمه اللّه بحديثي الباب على تحريم بيع العصير ممن يتخذه خمرا وتحريم كل بيع أعان على معصية قياسا على ذلك وليس في حديثي الباب تعرض لتحريم بيع العنب ونحوه ممن يتخذه خمرا لأن المراد بلعن بائعها وآكل ثمنها بائع الخمر وآكل ثمن الخمر وكذلك بقية الضمائر المذكورة هي للخمر ولو مجازا كما في عاصرها ومعتصرها فإنه يؤل المعصور إلى الخمر والذي يدل على مراد المصنف حديث بريدة الذي ذكرناه لترتيب الوعيد الشديد على من باع العنب إلى من يتخذه خمرا ولكن قوله حبس وقوله أو ممن يعلم أن يتخذه خمرا يدلان على اعتبار القصد والتعمد للبيع لمن يتخذه خمرا ولا خلاف في التحريم مع ذلك وأما مع عدمه فذهب جماعة من أهل العلم إلى جوازه منهم الهادوية مع الكراهة ما لم يعلم أنه يتخذه لذلك ولكن الظاهر أن البيع من اليهودي والنصراني لا يجوز لأنه مظنة لجعل الخمر خمرا ويؤيد المنع مع من البيع مع ظن استعمال المبيع في معصية أما ما أخرجه الترمذي وقال غريب من حديث أبي أمامة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال ‏(‏ولا تبيعوا القينات المغنيات ولا تشتروهن ولا تعلموهن ولا خير في تجارة فيهن وثمنهن حرام ‏)‏‏.‏

 باب النهي عن بيع ما لا يملكه ليمض فيشتريه ويسلمه

1 - عن حكيم بن حزام قال ‏(‏قلت يا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ياتيني الرجل فيسألني عن البيع ليس عندي ما أبيعه منه ثم أبتاعه من السوق فقال لا تبع ما ليس عندك‏)‏‏.‏

رواه الخمسة‏.‏

الحديث أخرجه أيضا ابن حبان في صحيحه وقال الترمذي حسن صحيح وقد روى من غير وجه عن حكيم انتهى‏.‏ وفي بعض طرقه عبد اللّه بن عصمة زعم عبد الحق أنه ضعيف جدا ولم يتعقبه ابن القطان بل نقل عن ابن حزم أنه مجهول‏.‏ قال الحافظ وهو جرح مردود وقد روى عنه ذلك ثلاثة كما في التلخيص وقد احتج به النسائي ـ وفي الباب ـ عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند أبي داود والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه قال ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع ولا ربح مالم يضمن ولا بيع ماليس عندك‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما ليس عندك‏)‏ أي ماليس في ملكك وقدرتك والظاهر أنه يصدق على العبد المغصوب الذي لا يقدر لى انتزاعه ممن هو في يده وفي الآبق الذي لا يعرف مكانه والطير المنفلت الذي لا يعتاد رجوعه ويدل على ذلك معنى عند لغة قال الرضى أنها تستعمل في الحاضر القريب وما هو في حوزتك وإن كان بعيدا انتهى‏.‏ فيخرج عن هذا ما كان غائبا خارجا عن الملك أو داخلا عن الحوزو وظاهره أنه يقال لما كان حاضرا وإن كان خارجا عن الملك‏.‏ فمعنى قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏لا تبع ماليس عندك‏)‏ أي ماليس حاضرا عندك ولا غائبا في ملكك وتحت حوزتك‏.‏ قال البغوي النهي في هذا الحديث عن بيوع الأعيان التي لا يملكها أما بيع شيء موصوف في ذمته فيجوز فيه السلم بشروطه فلو باع شيئا موصوفا في ذمته عام الوجود عند المحل المشروط في البيع جاز وإن لم يكن البيع موجودا في ملكه حالة العقد كالسلم قال وفي معنى بيع ما ليس عنده في الفساد بيع الطير المنفلت الذي لا يعتاد رجوعه إلى محله فإن اعتاد الطائر أن يعود ليلا لم يصح أيضا عند الأكثر إلا النحل فإن الأصح فيه الصحة كما قال النووي في زيادات الروضة وظاهر النهي تحريم مالم يكن في ملك الأنسان ولا داخلا تحت مقدرته وقد استثنى من ذلك فتكون أدلة جوازه مخصصة لهذا العموم وكذلك إذا كان المبيع في ذمة المشتري إذ هو كالحاضر المقبوض‏.‏

 باب من باع سلعة من رجل ثم من آخر

1 - عن سمرة عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال ‏(‏أيما إمرأة زوجها وليان فهي للأول منهما وأيما رجل باع بيعا من رجلين فهو للأول منهما‏)‏‏.‏

رواه الخمسة إلا ابن ماجه لم يذكر فيه فصل النكاح وهو يدل بعمومه على فساد بيع البائع المبيع وإن كان في مدة الخيار‏.‏

الحديث هو من رواية الحسن عن سمرة وفي سماعه منه خلاف قد تقدم وقد حسنه الترمذي وصححه أبو زرعة وأبو حاتم والحاكم‏.‏ قال الحافظ وصحته متوقفة على ثبوت سماع الحسن من سمرة ورجاله ثقات ورواه الشافعي وأحمد والنسائي من طريق قتادة عن الحسن عن عقبة بن عامر قال الترمذي الحسن عن سمرة في هذا أصح قوله‏:‏ ‏(‏فهي للأول منها‏)‏ فيه دليل أن المرأة إذا عقد لها ولين لزوجين كانت لمن عقد له أول الوليين من الزوجين وبه قال الجمهور وسواء كان دخل بها الثاني أم لا وخالف في ذلك مالك وطاوس والزهري‏.‏ وروى عن عمر فقالوا أنها تكون للثاني إذا كان قد دخل بها لأن الدخول أقوى والخلاف في تفاصيل هذه المسألة بين المفرعين طويل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأيما رجحل باع‏)‏ الخ فيه دليل أن من باع شيئا من رجل ثم باعه من آخر لم يكن للبيع الآخر حكم بل هو باطل لأنه باع غير ما يملك إذ قد صار في ملك المشتري الأول ولا فرق بين أن يكون البيع الثاني وقع في مدة الخيار أو بعد أنقراضها الأن المبيع قد خرج عن ملكة بمجرد البيع‏.‏

 باب النهي عن بيع الدين بالدين وجوازه بالعين ممن هو عليه

1 - عن ابن عمر ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى عن بيع الكالئ بالكالئ‏)‏‏.‏

رواه الدارقطني‏.‏

2 - وعن ابن عمر قال ‏(‏أتيت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقلت إني أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم وأبيع بالدراهم ووآخذ الدنانير فقال لا بأس أن تأخذ بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء‏)‏‏.‏

رواه الخمسة‏.‏ وفي لفظ بعضهم ‏(‏أبيع بالدنانير وآخذ مكانها الورق وأبيع بالورق وآخذ مكانها الدنانير‏)‏ وفيه دليل على جواز التصرف في الثمن قبل قبضه وإن كان في مدة الخيار وعلى أن خيار الشرط لا يدخل الصرف‏.‏

الحديث الأول صححه الحاكم على شرط مسلم وتعقب بأنه تفرد به موسى بن عبيدة الربذي كما قال الدارقطني وابن عدي‏.‏ وقد قال فيه أحمد لا تحل الرواية عنه عندي ولا أعرف هذا الحديث عن غيره وقال ليس في هذا أيضا حديث يصح ولكن إجماع الناس على أنه لا يجوز بيع دين بدين وقال الشافعي أهل الحديث يوهنون هذا الحديث اهـ‏.‏ ويؤيده ما أخرجه الطبراني عن رافع بن خديج ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى عن بيع كالئ دين بدين‏)‏ ولكن في إسناده موسى المذكور فلا يصلح شاهدا والحديث الثاني صححه الحاكم وأخرجه ابن حبان والبيهقي وقال الترمذي لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث سماك بن حرب وذكر أنه روى عن ابن عمر موقوفا واخرجه النسائي موقوفا عليه ايضا قال البيهقي والحديث تفرد برفعه سماك بن حرب وقال شعبة رفعه لنا سماك وأنا أفرقه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الكالئ بالكالئ‏)‏ هو مهموز قال الحاكم عن أبي الوليد حسان هو بيع النسيئة كذا نقله أبو عبيد في الغريب وكذا نقله الدارقطني عن أهل اللغة وروى البيهقي عن نافع قال هو بيع الدين بالدين‏.‏ وفيه دليل على عدم جواز بيع الدين بالدين وهو إجماع كما حكاه أحمد في كلامه السابق وكذا لا يجوز بيع كل معدوم بمعدوم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بالبقيع‏)‏ قال الحافظ بالباء الموحدة كما وقع عند البيهقي في بقيع الغرقد‏.‏ قال النووي ولم يكن إذ ذاك قد كثرت فيه القبور‏.‏ وقال ابن باطيش لم أر من ضبطه والظاهر أنه بالنون حكى ذلك عنه في التلخيص وابن رسلان في شرح السنن قوله‏:‏ ‏(‏لا بأس‏)‏ فيه دليل على جواز الاستبدال عن الثمن الذي في الذمة بغيره وظاهره إنهما غير حاضرين جميعا بل الحاضر أحدهما وهو غير اللازم فيدل على أن ما في الذمة كالحاضر قوله‏:‏ ‏(‏مالم تفترقا وبينكما شيء‏)‏ فيه دليل على أن جواز الاستبدال مقيد بالتقابض في المجلس لان الذهب والفضة مالان ربويان فلا يجوز بيع أحدهما بالآخر الا بشرط وقوع التقابض في المجلس وهو محكى عن عمر وابنه عبد اللّه رضي اللّه عنهما والحسن والحكم وطاوس والزهري ومالك والشافعي وأبي حنيفة‏.‏ والثوري والأوزاعي وأحمد وغيرهم وروى عن ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن المسيب وهو أحد قولي الشافعي أنه كروه أي الاستبدال المذكور والحديث يرد عليهم ‏(‏واختلف‏)‏ الأولون فمنهم من قال يشترط أن يكون بسعر يومها كما وقع في الحديث وهو مذهب أحمد وقال أبو حنيفة والشافعي أنه يجوز بسعر يومها وأغلى وأرخص وهو خلاف ما في الحديث من قوله ‏(‏بسعر يومها‏)‏ وهو أخص من حديث ‏(‏إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد‏)‏ فيبني العام على الخاص‏.‏

 باب نهي المشتري عن بيع ما اشتراه قبل قبضه

1 - عن جابر قال ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم إذا ابتعت طعاما فلا تبعه حتى تستوفيه‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم‏.‏

2 - وعن أبي هريرة قال ‏(‏نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يشتري الطعام ثم يباع حتى يستوفي‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم‏.‏ ولمسلم ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال من اشترى طعاما فلا يبيعه حتى يكتاله‏)‏‏.‏

3 - وعن حكيم بن حزام قال ‏(‏قلت يا رسول اللّه أني أشتري بيوعا فما يحل لي منها وما يحرم على قال إذا اشتريت شيئا فلا تبعه حتى تقبضه‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

4 - وعن زيد بن ثابت ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم‏)‏‏.‏

رواه أبو داود والدارقطني‏.‏

5 - وعن ابن عمر قال ‏(‏كانوا يتبايعون الطعام حزافا با على السوق فنهاهم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يبيعوه حتى ينقلوه‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا الترمذي وابن ماجه وفي لفظ في الصحيحين ‏(‏حتى يحولوه‏)‏ للجماعة إلا الترمذي ‏(‏من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه‏)‏ ولأحمد ‏(‏من اشترى طعاما بكيل أو وزن فلا يبعه حتى يقبضه‏)‏ ولأبي داود والنسائي ‏(‏نهى أن يبيع أحد طعاما اشتراه بكيل حتى يستوفيه‏)‏‏.‏

6 - وعن ابن عباس ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه قال ابن عباس ولا أحسب كل شيء إلا مثله‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا الترمذي وفي لفظ في الصحيحين ‏(‏من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يكتاله‏)‏‏.‏

حديث حكيم بن حزام أخرجه أيضا الطبراني في الكبير وفي إسناده العلاء ابن خالد الواسطي وثقه ابن حبان وضعفه موسى بن إسماعيل وقد أخرج النسائي بعضه وهو طرف من حديثه المتقدم في باب النهي عن بيع مالا يملكه‏.‏ وحديث زيد بن ثابت أخرجه أيضا الحاكم وصححه وابن حبان وصححه أيضا قوله‏:‏ ‏(‏إذا ابتعت طعاما‏)‏ وكذا قوله في الحديث الثاني ‏(‏نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏ الخ وكذا قوله‏:‏ ‏(‏من اشترى طعاما‏)‏ وكذلك بقية ما فيه التصريح بمطلق الطعام في حديث الباب في جميعها دليل على أنه لا يجوز لمن اشترى طعاما أن يبيعه حتى يقبضه من غير فرق بين الجزاف وغيره وإلى هذا ذهب الجمهور وروى عن عثمان التبى أنه يجزم بيع كل شيء قبل قبضه والأحاديث ترد عليه فإن النهي يقتضي التحريم بحقيقته ويدل على الفساد المرادف للبطلان كما تقرر في الأصول وحكى في الفتح عن مالك في المشهور عنه الفرق بين الجزاف وغيره فأجاز بيع الجزاف قبل قبضه وبه قال الأوزاعي وإسحاق واحتجوا بان الجزاف يرى فيكفي فيه التخلية والاستيفاء إنما يكون في مكيل أو موزون‏.‏ وقد روى أحمد من حديث ابن عمر مرفوعا ‏(‏من اشترى طعاما بكيل أو وزن فلا يبعه حتى يقبضه‏)‏ رواه أبو داود والنسائي بلفظ ‏(‏نهى أن يبيع أحد طعاما اشتراه بكيل حتى يستوفيه‏)‏ كما ذكره المصنف والدارقطني من حديث جابر ‏(‏نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان صاع البائع وصاع المشتري‏)‏ ونحوه للبزار من حديث أبي هريرة قال في الفتح بإسناد حسن قالوا وفي ذلك دليل على أن القبض إنما سيكون شرطا في المكيل والموزون دون الجزاف واستدل الجمهور بإطلاق أحاديث الباب وبنص حديث ابن عمر فإنهم صرح فيه بأنهم كانوا يبتاعون جزافا الحديث‏.‏ ويدل لما قالوا حديث حكيم بن جزام المذكور لأنه يعم كل مبيع ويجاب عن حديث ابن عمر وجابر اللذين احتج بهما مالك ومن معه بأن التنصيص على كون الطعام المنهي عن بيعه مكيلا أو موزونا لا يستلزم عدم ثبوت الحكم في غيره نعم لو لم يوجد في الباب إلا الأحاديث التي فيها إطلاق لفظ الطعام لأمكن أن يقال أنه يحمل المطلق على المقيد بالكيل والوزن وأما بعد التصريح بالنهي عن بيع الجزاف قبل قبضه كما في حديث ابن عمر فيحتم المصير إلى أن حكم الطعام متحد من غير فرق بين الجزاف وغيره ورجح صاحب ضوء النهار أن هذا الحكم أعني تحريم بيع الشيء قبل قبضه مختص بالجزاف دون المكيل والموزون وسائر المبيعات من غير الطعام وحكي هذا عن مالك ويجاب عنه بما تقدم من إطلاق الطعام والتصريح بما هو أعم منه كما في حديث حكيم والتنصيص على تحريم بيع المكيل من الطعام والموزون كما في حديث ابن عمر وجابر وما حكاه عن مالك خلاف ما حكاه عنه غيره فإن صاحب الفتح حكى عنه ما تقدم وهو مقابل لما حكاه عنه‏.‏ وكذلك روى عن مالك ما يخالف ذلك ابن دقيق العيد وابن القيم وابن رشد في بداية المجتهد وغيرهم وقد سبق صاحب ضوء النهار إلى هذا المذهب ابن المنذر ولكنه لم يخصص بعض الطعام دون بعض بل سوى بين الجزاف وغيره ونفى اعتبار القبض عن غير الطعام وقد حكى ابن القيم في بدائع الفوائد عن أصحاب مالك كقول ابن المنذر ويكفي في رد هذا المذهب حديث حكيم فإنه يشتمل بعمومه غير الطعام وحديث زيد بن ثابت فإنه صرح بالنهي في السلع وقد استدل من خصص هذا الحكم بالطعام بما في البخاري من حديث ابن عمر ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم اشترى من عمر بكرا كان ابنه راكبا عليه ثم وهبه لابنه قبل قبضه‏)‏ ويجاب عن هذا بانه خارج عن محل النزاع لان البيع معاوضة بعوض وكذلك الهبة إذا كانت بعوض وهذه الهبة الواقعة من النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ليست على عوض وغاية ما في الحديث جواز التصرف في المبيع قبل قبضه بالهبة بغير عوض ولا يصح الالحاق للبيع وسائر التصرفات بذلك لأنه مع كونه فاسد الاعتبار قياس مع الفارق وأيضا قد تقرر في الأصول أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم إذا أمر

الأمة أو نهاها أمرا أو نهيا خاصا بها ثم فعل ما يخالف ذلك ولم يقم دليل يدل على التأسي في ذلك الفعل بخصوصه كان مختصا به لأن هذا الأمر أو النهي الخاصين بالأمة في مسألة مخصوصة هما أخص من أدلة التأسي العامة مطلقا فيبني العام على الخاص وذهب بعض المتأخرين إلى تخصيص إلى تخصيص التصرف الذي نهى عنه قبل القبض بالبيع دون غيره قال فلا يحل البيع ةيحل غيره من التصرفات وأراد بذلك الجمع بين أحاديث الباب وحديث شرائه صلى اللّه عليه وآله وسلم للبكر ولكنه يعكر عليه أن ذلك يستلزم الحاق جميع التصرفات التي بعوض وبغير عوض بالهبة بغير عوض وهو إلحاق مع الفارق وأيضا الحاقها بالهبة المذكورة دون البيع الذي وردت بمعنه الأحاديث تحكم والأولى الجمع بالحاق التصرفات بعوض بالبيع فيكون نعلها قبل القبض غير جائز والحاق التصرفات التي لا عوض فيها بالهبة المذكورة وهذا هو الراجح ولا يشكل عليه ما قدمنا من أن ذلك الفعل مختص بالنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لأن ذلك إنما هو على طريق التنزل مع ذلك الفعل مختص بالنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لأن ذلك إنما هو على طريق التنزيل مع ذلك القائل بعد فرض أن فعله صلى اللّه عليه وآله وسلم يخالف ما دلت عليه أحاديث الباب وقد عرفت أنه لا مخالفة فلا اختصاص ويشهد لما ذهبنا إليه إجماعهم على صحة الوقف والعتق قبل القبض ويشهد له أيضا ما علل به النهي فإنه أخرج البخاري عن طاوس قال قلت لابن عباس كيف ذاك قال دراهم بدراهم والطعام مرجأ استفهمه عن سبب النهي فأجابه بأنه إذا باعه المشتري قبل القبض وتأخر المبيع في يد البائع فكأنه باع دراهم بدراهم ويبين ذلك ما أخرجه مسلم عن ابن عباس أنه قال لما ساله طاوس ألا تراهم يتباعدون بالذهب والطعام مرجأ وذلك لأنه إذا اشترى طعاما بمائة دينار ودفعها للبائع ولم يقبض منه الطعام ثم باع الطعام إلى آخر بمائة وعشرين مثلا فكأنه اشترى بذهبه ذهبا أكثر منه ولا يخفى ان مثل هذه العلة لا ينطبق على ما كان من التصرفات بغير عوض وهذا التعليل أجود ما علل به النهي لأن الصحابة أعرف بمقاصد الرسول صلى اللّه عليه وآله وسلم ولا شك أن المنع من كل تصرف قبل القبض من غير فرق بين ما كان بعوض وما لا عوض فيه لا دليل عليه إلا الالحاق لسائر التصرفات بالبيع وقد عرفت بطلان الحاق مالا عوض فيه بما فيه عوض ومجرد صدق اسم التصرف على الجميع لا يجعله مسوغا للقياس عارف بعلم الأصول قوله‏:‏ ‏(‏حتى يحوزها التجار إلى رحالهم‏)‏ فيه دليل على أنه لا يكفي مجرد القبض بل لابد من تحويله إلى المنزل الذي يسكن فيه المشتري أو يضع فيه بضاعته وكذلك يدل على هذا قوله في الرواية الأخرى ‏(‏حتى يحولوه‏)‏ وكذلك ما وقع في بعض طرق مسلم عن ابن عمر بلفظ ‏(‏كنا نبتاع الطعام فبعث علينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم من يأمرنا بانتقاله من المكان الذي ابتعناه فيه إلى مكان سواه قبل أن نبيعه‏)‏ وقد قال صاحب الفتح أنه لا يعتبر الإيواء إلى الرحال لأن الأمر به خرج مخرج الغالب ولا يخفى أن هذه دعوى تحتاج إلى برهان لأنه مخالفة لما هو الظاهر ولا عذر لمن قال إنه يحمل المطلق على المقيد من المصير إلى ما دلت عليه هذه الروايات‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏جزافا‏)‏ بتثليث الجيم والكسر أفصح من غيره وهو مالم يعلم قدره على التفصيل‏.‏ قال ابن قدامة يجوز بيع الصبرة جزافا لا نعلم فيه خلافا إذا جهل البائع والمشتري قدرها قوله‏:‏ ‏(‏ولا أحسب كل شيء إلا مثله‏)‏ استعمل ابن عباس القياس ولعله لم يبلغه النص المقتضى لكون سائر الأشياء كالطعام كما سلف قوله‏:‏ ‏(‏حتى يكتاله‏)‏ قيل المراد بالاكتيال القبض والاستيفاء كما في سائر الروايات ولكنه لما كان الأغلب في الطعام ذلك صرح بلفظ الكيل وهو خلاف الظاهر كما عرفت والظاهر أن من اشترى شيئا مكايلة أو موازنة فلا يكون قبضه الا بالكيل أو الوزن فإن قبضه جزافا كان فاسدا وبهذا قال الجمهور كما حكاه الحافظ عنهم في الفتح ويدل عليه حديث اختلاف الصاعين‏.‏

 باب النهي عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان

1 - عن جابر قال‏:‏ ‏(‏نهى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان صاع للبائع وصاع للمشتري‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجه والدارقطني‏.‏

2 - وعن عثمان قال ‏(‏كنت ابتاع التمر من بطن اليهود يقال لهم بنو قينقاع وأبيعه وإذا بعت فكل‏)‏‏.‏

رواه أحمد والبخاري منه بغير اسناد كلام النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏.‏

حديث جابر أخرجه ايضا البيهقي وفي إسناده ابن أبي ليلى قال البيهقي وقد روى من وجه آخر ـ وفي الباب ـ عن أبي هريرة عند البزار بإسناد حسن‏.‏ وعن أنس وابن عباس عند ابن عدي بإسنادين ضعيفين جدا كما قال الحافظ‏.‏ وحديث عثمان أخرجه عبد الرزاق ورواه الشافعي وابن أبي شيبة والبيهقي عن الحسن عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم مرسلا‏.‏ قال البيهقي روى موصولا من أوجه إذا ضم بعضها إلى بعض قوي‏.‏ وقال في مجمع الزوائد إسناد حسن واستدل بهذه الأحاديث على أن من اشترى شيئا مكايلة وقبضه ثم باعه إلى غيره لم يجز تسليمه بالكيل الأول حتى بكيله على من اشتراه ثانيا وإليه ذهب الجمهور كما حكاه في الفتح عنهم‏:‏ قال وقال عطاء يجوز بيعه بالكيل الأول مطلقا وقيل إن باعه بنقد جاز بالكيل الأول وإن باعه بنسيئة لم يجز الأول والظاهر ما ذهب إليه الجمهور من غير فرق بين بيع وبيع للأحاديث المذكورة في الباب التي تفيد بمجموعها ثبوت الحجة وهذا إنما هو إذا كان الشراء مكايلة وأما إذا كان جزافا فلا يعتبر الكيل المذكور عند أن يبيعه المشتري‏.‏

 باب ما جاء في التفريق بين ذوي المحارم

1 - عن أبي موسى قال ‏(‏سمعت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول من فرق بين والدة وولدها فرق اللّه بينه وبين أحبته يوم القيامة‏)‏‏.‏

رواه أحمد والترمذي‏.‏

2 - وعن علي عليه السلام ‏(‏قال أمرني رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن أبيع غلامين أخوين فبعتهما وفرقت بينهما فذكرت ذلك له فقال أدركهما فأرجعتهما ولا تبعهما إلا جميعا‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏ وفي رواية ‏(‏وهب لي النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم غلامين أخوين فبعت أحدهما فقال لي يا علي ما فعل غلامك فأخبرته فقال رده رده‏)‏ رواه الترمذي وابن ماجه‏.‏

3 - وعن أبي موسى قال ‏(‏لعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم من فرق بين الوالد وولده وبين الأخ وأخيه‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجه والدارقطني‏.‏

4 - وعن علي عليه السلام ‏(‏أنه فرق بين جارية وولدها فنهاه النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم عن ذلك ورد البيع‏)‏‏.‏

رواه أبو داود والدارقطني‏.‏

حديث أبي أيوب أخرجه أيضا الدارقطني والحاكم وصححه وحسنه الترمذي وفي إسناده حي بن عبد اللّه المعافري وهو مختلف فيه وله طريق أخرى عند البيهقي وفيها غنقطاع لأنها من رواية العلاء بن كثير الإسكندراني عن أبي أيوب ولم يدركه‏.‏ وله طريق أخرى عند الدارمي‏.‏ وحديث أبي موسى إسناده لا بأس به فإن محمد بن عمر بن الهياج صدوق وطليق بن عمران مقبول‏.‏ وحديث علي الأول رجال إسناده ثقات كما قال الحافظ وقد صححه ابن خزيمة وابن الجارود وابن حبان والحاكم والطبراني وابن القطان وحديثه الثاني هو من رواية ميمون بن أبي شبيب عنه وقد أعله أبو داود بالإنقطاع بينهما وأخرجه الحاكم وصحح إسناده ورجحه البيهقي لشواهده ـ وفي الباب ـ عن أنس عند ابن عدي بلفظ ‏(‏لا يولهن والد عن ولده‏)‏ وفي إسناده مبشر بن عبيد وهو ضعيف ورواه من طريق أخرى فيها إسماعيل بن عياش عن الحجاج بن ارطأة وقد تفرد به إسماعيل وهو ضعيف في غير الشاميين‏.‏ وعن أبي سعيد عند الطبراني بلفظ ‏(‏لا توله والدة بولدها)‏ وأخرجه البيهقي بإسناد ضعيف عن الزهري مرسلا ‏(‏والأحاديث‏)‏ المذكورة في الباب فيها دليل على تحريم التفريق بين الوالدة والولد وبين الأخوين أما بين الوالدة وولدها فقد حكي في البحر عن الإمام يحيى أنه إجماع حتى يستغني الولد بنفسه وقد اختلف في إنعقاد البيه فذهب الشافعي إلى أنه لا ينعقد‏.‏ وقال أبو حنيفة وهو قول للشافعي أنه ينعقد‏.‏ وقد ذهب بعض الفقهاء إلى أنه لا يحرم التفريق بين الأب والابن وأجاب عليه صاحب البحر بأنه مقيس على الأم ولا يخفى أن حديث أبي موسى المذكور في الباب يشمل الأب فالتعويل عليه أن صح أولى من التعويل على القياس وأما بقية القرابة فذهبت الهادوية والحنفية إلى أنه يحرم التفري بينهم قياسا وقال الإمام يحيى والشافعي لا يحرم والذي يدل عليه النص هو تحريم التفريق بين الأخوة وأما بين من عداهم من الأرحام فالحاقه بالقياس فيه نظر لأنه لا تصل منهم بالمفارقة مشقة كما تحصل بالمفارقة بين الوالد والولد وبين الأخ وأخيه فلا الحاق لوجود الفارق فينبغي الوقوف على ما تناوله النص وظاهر الأحاديث أنه يحرم التفريق سواء كان بالبيع أو بغيره مما فيه مشقة تساوي مشقة التفريق بالبيع إلا التفريق الذي لا اختيار فيه للمفرق كالقسمة والظاهر أيضا أنه لا يجوز التفريق بين من ذكر لا قبل البلوغ ولا بعده وسيأتي بيان ما استدل به على جوازه بعد البلوغ‏.‏

5 - وعن سلمة بن الأكوع قال ‏(‏خرجنا مع أي بكر أمره علينا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فغزونا فزارة فلما دنونا من الماء أمرنا أبو بكر فعرسنا فلما صلينا الصبح أمرنا أبو بكر فشننا الغارة فقتلنا على الماء من قتلنا ثم نظرت إلى عنق من الناس فيه الذرية والنساء نحوالجبل وأنا أعدو في أثرهم فخشيت أن يسبقوني إلى الجبل فرميت بسهم فوقع بينهم وبين الجبل قال فجئت بهم اسوقهم إلى أبي بكر وفيهم امرأة من فزارة عليها قشع من أدم ومعها ابنة لها من أحسن العرب وأجمله فنفلني أبو بكر فلم أكشف لها ثوبا حتى قدمت المدينة ثم بت فلم أكشف لها ثوبا فلقيني النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في السوق فقال يا سلمة هب لي المرأة فقلت يا رسول اللّه لقد اعجبتني وما كشفت لها ثوبا فسكت وتركني حتى إذا كان من الغد لقيني في السوق فقال يا سلمة هب المرأة للّه أبوك فقلت هي لك يا رسول اللّه قال فبعث بها إلى مكة وفي أيديهم أسارى من المسلمين ففداهم بتلك المرأة‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم وأبو داود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فعرسنا‏)‏ التعريس النزول آخر الليل للاستراحة قوله‏:‏ ‏(‏شننا الغارة‏)‏ شن الغارة هو اتيان العدو من جهات متفرقة قال في القاموس شن الغارة عليهم صبها من كل وجه كاشنها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عنق‏)‏ أي جماعة من الناس قال في القاموس العنق بضم وبضمتين وكأمير وصرد الجيد ويؤنث الجمع اعناق والجماعة من الناس والرؤساء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قشع من أدم‏)‏ أي نطع قال في القاموس القشع بالفتح الفر والخلق ثم قال ويثلث والنطع أو قطعة من نطع قوله‏:‏ ‏(‏فلم أكشف لها ثوبا‏)‏ كناية عن عدم الجماع وقد استدل بهذا الحديث على جواز التفريق وبوب عليه أبو داود بذلك لأن الظاهر إن البنت قد كانت بلغت قال المصنف رحمه اللّه وهو حجة في جوز التفريق بعد البلوغ وجواز تقديم القبول بصيغة الطلب على الإيجاب في الهبة ونحوها وفيه أن ماملكه المسلمون من الرقيق يجوز رده إلى الكفار في الفداء اه‏.‏ وقد حكى في الغيث الاجماع على جواز التفريق بعد البلوغ فإن صح فهو المستند لا هذا الحديث لأن كون بلوغها هو الظاهر غير مسلم الا أن يقال أنه حمل الحديث على ذلك للجمع بين الأدلة وقد روى عن المنصور باللّه والناصر في أحد قوليه أن حد تحريم التفريق إلى سبع وقد استدل على جواز التفريق بين البالغين بما أخرجه الدارقطني والحاكم من حديث عبادة بن الصامت بلفظ ‏(‏لاتفرق بين الأم وولدها قيل إلى متى قال حتى يبلغ الغلام وتحيض الجارية‏)‏ وهذا نص على المطلوب صريح لولا إن في إسناده عبد الهل بن عمرو الواقفي وهو ضعيف وقد رماه على ابن المديني بالكذب ولم يروه عن سعيد بن عبد العزيز غيره وقد استدل له الدارقطني بحديث سلمة المذكور ولا شك إن مجموع ما ذكر من الإجماع وحديث سلمة وهذا الحديث منتهض للاستدلال به على التفرقة بين الكبير والصغير‏.‏

 باب النهي ان يبيع حاضر لباد

1 - عن ابن عمر قال ‏(‏نهى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يبيع حاضر لباد‏)‏‏.‏

رواه البخاري والنسائي‏.‏

2 - وعن جابر ‏(أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لا يبيع حاضر لباد دعوا الناس يرزق اللّه بعضهم من بعض‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا البخاري‏.‏

3 - وعن أنس قال ‏(‏نهينا أن يبيع حضر لباد وإن كان أخاه لأبيه وأمه‏)‏‏.‏

متفق عليه ‏.‏ ولأبي داود والنسائي ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم نهى أن يبيع حاضر لباد وإن كان اباه وأخاه‏)‏‏.‏

4 - وعن ابن عباس ‏(‏قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لا تلقوا الركبان ولا يبع حاضر لباد فقيل لابن عباس ما قوله لا يبع حاضر لباد قال لا يكون له سمسارا‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا الترمذي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حاضر لباد‏)‏ الحاضر ساكن الحضر والبادي ساكن البادية قال في القاموس الحضر والحاضرة والحضارة وتفتح خلاف البادية والحضارة الأقامة في الحضر ثم قال والحاضر خلاف البادي‏.‏وقال البدو والبادية والبادات والبداوة خلاف الحضر وتبدي أقام بها وتبادي تشبه بأهلها والنسبة بداوى وبدوي وبدا القوم خرجوا إلى البادية انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏دعوا الناس‏)‏ الخ في مسند أحمد من طريق عطاء بن السائب عن حكيم بن أبي يزيد عن أبيه حدثني أبي قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏دعوا الناس يرزق اللّه بعضهم من بعض فإذا استنصح الرجل فلينصح له‏)‏ ورواه البيهقي من حديث جابر مثله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لاتلقوا الركبان‏)‏ سيأتي الكلام عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سمسارا‏)‏ بسينين مهملتين قال

في الفتح وهو في الأصل القيم بالأمر والحافظ ثم استعمل في متولى البيع والشراء لغيره وأحاديث الباب تدل على أنه لا يجوز للحاضر أن يبيع للبادي من غير فرق بين أن يكون البادي قريبا له أو أجنبيا وسواء كان في زمن الغلاء أولا وسواء كان يحتاج إليه أهل البلد أم لا وسواء باعه له على التدريج أم دفعة واحدة‏.‏ قالت الحنفية انه يختص المنع من ذلك بزمن الغلاء وبما يحتاج إليه أهل لمصر وقالت الشافعية والحنابلة أن الممنوع إنما هو أن يجيء البلد بسلعة يريد بيعها بسعر الوقت في الحال فيأتيه الحاضر فيقول ضعه عندي لأبيعه لك على التدريج بأغلى من هذا السعر قال في الفتح فجعلوا الحكم منوطا بالبادي ومن شاركه في معناه قالوا وإنما ذكر البادي في الحديث لكونه الغالب فألحق من شاركه في عدم معرفة السعر من الحاضرين وجعلت المالكية البداوة قيدا‏.‏ وعن مالك لا يلتحق بالبدوي في ذلك إلى من كان يشبهه فأما أهل القرى الذين يعرفون أثمان السلع والأسواق فليسوا داخلين في ذلك‏.‏ وحكى ابن المنذر عن الجمهور ان النهي للتحريم إذا كان البائع عالما والمبتاع مما تعم الحاجة إليه ولم يعضه البدوي على الحضري ولا يخفى أن تخصيص العموم بمثل هذه الأمور من التخصيص بمجرد الاستنباط وقد ذكر ابن دقيق العيد فيه تفصيلا حاصله أنه يجوز التخصيص به حيث يظهر المعنى لا حيث يكون خفيا فاتباع اللفظ أولى ولكنه لا يطميئن الخاطر إلى التخصيص به مطلقا فالبقاء على ظواهر النصوص هو الأولى فيكون بيع الحاضر للبادي محرما على العموم وسواء كان بأجرة أم لا‏.‏وروى عن البخاري أنه حمل النهي على البيع بأجة لا بغير أجرة فإنه من باب النصيحة‏.‏ وروى عن عطاء ومجاهد وأبي حنيفة أنه يجوز بيع الحاضر للبادي مطلقا وتمسكوا بأحاديث النصيحة‏.‏ وروى مثل ذلك عن الهادي وقالوا إن أحاديث الباب منسوخة واستظهروا على الجواز بالقياس على توكيل البادي للحاضر فإنه جائز ويجاب عن تمسكهم بأحاديث النصيحة بأنها عامة مخصصة بأحاديث الباب ـ فإن قيل ـ إن أحاديث النصيحة وأحاديث الباب بينها عموم وخصوص من وجه لأن بيع الحاضر للبادي قد يكون على غير وجه النصيحة فيحتاج فيحتاج حينئذ إلى الترجيح من خارج كما هو شأن الترجيح بين العمومين المتعارضين فيقال المراد بيع الحاضر للبادي الذي جعلناه أخص مطلقا هو البيع الشرعي بيع المسلم للمسلم الذي بينه الشارع للأمة وليس بيع الغش والخداع داخلا في مسمى هذا البيع الشرعي كما أنه لا يدخل فيه بيع الربا وغيره مما لا يحل شرعا فلا يكون البيع باعتبار ما ليس بيعا شرعيا أعم من وجه حتى يحتاج إلى طلب مرجح بين العمومين لأن ذلك ليس هو البيع الشرعي ويجاب عن دعوى النسخ بأنها إنما تصح عند العلم بتأخر الناسخ ولم ينقل ذلك‏.‏ وعن القياس بأنه فاسدا لاعتبار لمصادمته النص على أن أحاديث الباب أخص من الأدلة القاضية بجواز التوكيل مطلقا فيبني العام على الخاص‏.‏

واعلم أنه كما لا يجوز أن يبيع الحاضر للبادي كذلك لا يجوز أن يشتري له وبه قال ابن سيرين والنخعي‏.‏ وعن مالك روايتان ويدل لذلك ما أخرجه أبو داود عن أنس بن مالك أنه قال كان يقال لا يبع حاضر لباد وهي كلمة جامعة لا يبيع له شيئا ولا يبتاع له شيئا ولكن في إسناده أبو هلال محمد بن سليم الراسبي وقد تكلم فيه غير واحد‏.‏ وأخرج أبو عوانة في صحيحه عن ابن سيرين قال لقيت أنس بن مالك فقلت لا يبع حاضر لباد أنهيتم أن تبيعوا أو تبتاعوا لهم قال نعم قال محمد صدق أنها كلمة جامعة ويقوى ذلك العلة التي نبه عليها صلى اللّه عليه وآله وسلم بقوله دعوا الناس يرزق اللّه بعضهم من بعض فإن ذلك يحصل بشراء من لا خبرة له بالأثمان كما يحصل ببيعه وعلى فرض عدم ورود نص يقضي بأن الشراء حكمه البيع فقد تقرر إن لفظ البيع يطلق على الشراء وأنه مشترك بينهما كما أن لفظ البيع يطلق على الشراء وأنه مشترك بينهما كما أن لفظ الشراء يطلق على البيع لكونه مشتركا بينهما والخلاف في جواز استعمال المشترك في معنيه أو معانييه معروف في الأصول والحق الجواز إن لم يتناقضا‏.‏